الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح المحلي على المنهاج
. فَصْلٌ: [في صفة القبر] أَقَلُّ الْقَبْرِ حُفْرَةٌ تَمْنَعُ إذَا رُدِمَتْ (الرَّائِحَةَ) أَنْ تَظْهَرَ مِنْهُ فَتُؤْذِيَ الْحَيَّ (وَالسَّبُعَ) أَنْ يَنْبُشَ لِيَأْكُلَ الْمَيِّتَ فَتُنْتَهَكَ حُرْمَتُهُ، وَفِي ذِكْرِ الرَّائِحَةِ وَالسَّبْعِ وَإِنْ لَزِمَ مِنْ مَنْعِ أَحَدِهِمَا مَنْعُ الْآخَرِ بَيَانُ فَائِدَةِ الدَّفْنِ. (وَيُنْدَبُ أَنْ يُوَسَّعَ وَيُعَمَّقَ قَامَةً وَبَسْطَةً) بِأَنْ يَقُومَ رَجُلٌ مُعْتَدِلٌ وَيَبْسُطُ يَدَيْهِ مَرْفُوعَةً،«قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا وَأَعْمِقُوا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَوْصَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُعَمَّقَ قَبْرُهُ قَامَةً وَبَسْطَةً (وَاللَّحْدُ أَفْضَلُ مِنْ الشَّقِّ) بِفَتْحِ الشِّينِ (إنْ صَلُبَتْ الْأَرْضُ) بِخِلَافِ الرَّخْوَةِ، فَالشَّقُّ فِيهَا أَفْضَلُ، وَهُوَ أَنْ يُحْفَرَ فِي وَسَطِهَا كَالنَّهْرِ وَيُبْنَى الْجَانِبَانِ بِاللَّبِنِ أَوْ غَيْرِهِ، وَيُوضَعُ الْمَيِّتُ بَيْنَهُمَا، وَيُسَقَّفُ عَلَيْهِ بِاللَّبِنِ أَوْ غَيْرِهِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَيُرْفَعُ السَّقْفُ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يَمَسُّ الْمَيِّتَ. وَاللَّحْدُ أَنْ يُحْفَرَ فِي أَسْفَلِ حَائِطِ الْقَبْرِ الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ الْمَيِّتَ، رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ قَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: أَلْحِدُوا لِي لَحَدًّا وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَيُوضَعُ رَأْسُهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (عِنْدَ رِجْلِ الْقَبْرِ) أَيْ مُؤَخَّرِهِ الَّذِي سَيَكُونُ عِنْدَ أَسْفَلِهِ رِجْلُ الْمَيِّتِ. (وَيُسَلُّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ بِرِفْقٍ) رَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الْخِطْمِيَّ الصَّحَابِيَّ أَدْخَلَ الْحَارِثَ الْقَبْرَ مِنْ قِبَلِ رِجْلِ الْقَبْرِ، وَقَالَ: هَذَا مِنْ السُّنَّةِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ». (وَيُدْخِلُهُ الْقَبْرَ الرِّجَالُ) وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً بِخِلَافِ النِّسَاءِ لِضَعْفِهِنَّ عَنْ ذَلِكَ غَالِبًا (وَأَوْلَاهُمْ) بِذَلِكَ (الْأَحَقُّ بِالصَّلَاةِ) عَلَيْهِ (قُلْت:) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً مُزَوَّجَةً فَأَوْلَاهُمْ) بِهِ (الزَّوْجُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَلَا حَقَّ لَهُ فِي الصَّلَاةِ، وَيَلِيهِ الْأَحَقُّ بِهَا مِنْ الْمَحَارِمِ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُ الِابْنِ ثُمَّ الْأَخُ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ ثُمَّ الْعَمُّ، وَفِي تَقْدِيمِ مَنْ يُدْلِي بِأَبَوَيْنِ عَلَى مَنْ يُدْلِي بِأَبٍ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الصَّلَاةِ، ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَذَكَرَ فِيهِ بَعْدَ الْعَمِّ الْمَحْرَمَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَأَبِي الْأُمِّ وَالْخَالِ وَالْعَمِّ لِلْأُمِّ. وَيُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّ الْأَخَ لِلْأُمِّ يَلِي أَبَا الْأُمِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الْمَحَارِمِ فَعَبِيدُهَا، وَهُمْ أَحَقُّ مِنْ بَنِي الْعَمِّ لِأَنَّهُمْ كَالْمَحَارِمِ فِي جَوَازِ النَّظَرِ وَنَحْوِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَبِيدٌ فَالْخِصْيَانُ الْأَجَانِبُ، لِضَعْفِ شَهْوَتِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَذَوُو الْأَرْحَامِ الَّذِينَ لَا مَحْرَمِيَّةَ لَهُمْ كَبَنِي الْعَمِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَأَهْلُ الصَّلَاحِ مِنْ الْأَجَانِبِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَلَوْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي دَرَجَةٍ قُدِّمَ أَفْقَهُهُمَا وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَسَنَّ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَالْمُرَادُ بِالْأَفْقَهِ الْأَعْلَمُ بِإِدْخَالِ الْمَيِّتِ الْقَبْرَ وَبِقَوْلِهِمْ الْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ الْأَوْلَى فِي الدَّرَجَاتِ لَا فِي الصِّفَاتِ أَيْضًا، أَيْ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الْأَفْقَهِ عَلَى الْأَسَنِّ. (وَيَكُونُونَ وِتْرًا) ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، رَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَنَهُ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ. (وَيُوضَعُ فِي اللَّحْدِ عَلَى يَمِينِهِ) نَدْبًا (لِلْقِبْلَةِ) وُجُوبًا، فَلَوْ دُفِنَ مُسْتَدْبِرًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا نُبِشَ وَوُجِّهَ لِلْقِبْلَةِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، فَإِنْ تَغَيَّرَ لَمْ يُنْبَشْ، وَلَوْ وُضِعَ عَلَى الْيَسَارِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ كُرِهَ وَلَمْ يُنْبَشْ وَيُقَاسُ بِاللَّحْدِ فِيمَا ذُكِرَ جَمِيعُهُ الشَّقُّ، وَيَشْمَلُهُمَا قَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَيَجِبُ أَنْ يُوضَعَ الْمَيِّتُ فِي الْقَبْرِ لِلْقِبْلَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوضَعَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ. (وَيُسْنَدُ وَجْهُهُ إلَى جِدَارِهِ) أَيْ الْقَبْرِ (وَظَهْرُهُ بِلَبِنَةٍ وَنَحْوِهَا) حَتَّى لَا يَنْكَبَّ وَلَا يَسْتَلْقِيَ، وَيُجْعَلُ تَحْتَ رَأْسِهِ لَبِنَةٌ أَوْ حَجَرٌ وَيُفْضِي بِخَدِّهِ الْأَيْمَنِ إلَيْهِ أَوْ إلَى التُّرَابِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: بِأَنْ يُنَحَّى الْكَفَنُ عَنْ خَدِّهِ وَيُوضَعَ عَلَى التُّرَابِ. (وَيُسَدُّ فَتْحُ اللَّحْدِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ التَّاءِ (بِلَبِنٍ) وَطِينٍ مَثَلًا حَتَّى لَا يَدْخُلَهُ تُرَابٌ (وَيَحْثُو مَنْ دَنَا ثَلَاثَ حَثَيَاتِ تُرَابٍ) بِيَدَيْهِ جَمِيعًا، رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَثَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِ الْمَيِّتِ ثَلَاثًا»، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ مَعَ الْأُولَى:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ}، وَمَعَ الثَّانِيَةِ:{وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ}، وَمَعَ الثَّالِثَةِ:{وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}. وَقَوْلُهُ حَثَيَاتٍ مِنْ يَحْثِي لُغَةٌ فِي يَحْثُو (ثُمَّ يُهَالُ) أَيْ يُرْدَمُ التُّرَابُ (بِالْمَسَاحِي) إسْرَاعًا بِتَكْمِيلِ الدَّفْنِ (وَيُرْفَعُ الْقَبْرُ شِبْرًا فَقَطْ) لِيُعْرَفَ فَيُزَارَ وَيُحْتَرَمَ. وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ قَبْرَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رُفِعَ نَحْوًا مِنْ شِبْرٍ. وَلَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ فَلَا يُرْفَعُ قَبْرُهُ بَلْ يُخْفَى لِئَلَّا يَتَعَرَّضُوا لَهُ إذَا رَجَعَ الْمُسْلِمُونَ (وَالصَّحِيحُ أَنَّ تَسْطِيحَهُ أَوْلَى مِنْ تَسْنِيمِهِ) كَمَا فُعِلَ بِقَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبْرَيْ صَاحِبَيْهِ، رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ رَآهَا كَذَلِكَ، وَالثَّانِي تَسْنِيمُهُ أَوْلَى لِأَنَّ التَّسْطِيحَ صَارَ شِعَارًا لِلرَّوَافِضِ فَيُتْرَكُ مُخَالَفَةً لَهُمْ وَصِيَانَةً لِلْمَيِّتِ وَأَهْلِهِ عَنْ الِاتِّهَامِ بِالْبِدْعَةِ، وَدُفِعَ بِأَنَّ السُّنَّةَ لَا تُتْرَكُ لِمُوَافَقَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ فِيهَا (وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: هِيَ عِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ، وَصَرَّحَ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُدْفَنَ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ، وَهَذَا يَصْدُقُ بِقَوْلِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: يُسْتَحَبُّ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ أَنْ يُدْفَنَ كُلُّ مَيِّتٍ فِي قَبْرٍ. أَيْ فَيَكُونُ دَفْنُ اثْنَيْنِ فِيهِ مَكْرُوهًا (إلَّا لِضَرُورَةٍ) كَأَنْ كَثُرَ الْمَوْتَى لِوَبَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَعَسُرَ إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ بِقَبْرٍ. (فَيُقَدَّمُ) فِي دَفْنِ اثْنَيْنِ (أَفْضَلُهُمَا) إلَى جِدَارِ اللَّحْدِ. رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ إلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ»، وَيُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى الِابْنِ وَإِنْ كَانَ الِابْنُ أَفْضَلَ مِنْهُ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ، وَكَذَا تُقَدَّمُ الْأُمُّ عَلَى الْبِنْتِ، وَيُقَدَّمُ الرَّجُلُ عَلَى الصَّبِيِّ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إلَّا عِنْدَ تَأَكُّدِ الضَّرُورَةِ، وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ تُرَابٍ. وَكَذَا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الرَّوْضَةِ. وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ إشَارَةٌ إلَيْهِ (وَلَا يُجْلَسُ عَلَى الْقَبْرِ) وَلَا يُتَّكَأُ عَلَيْهِ (وَلَا يُوطَأُ) أَيْ يُكْرَهُ ذَلِكَ إلَّا لِحَاجَةٍ بِأَنْ لَا يَصِلَ إلَى قَبْرِ مَيِّتِهِ إلَّا بِوَطْئِهِ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَكَذَا يُكْرَهُ الِاسْتِنَادُ إلَيْهِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إلَيْهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُوطَأَ الْقَبْرُ»، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَسَيَأْتِي بِطُولِهِ فِي التَّجْصِيصِ. (وَيَقْرُبُ زَائِرُهُ) مِنْهُ (كَقُرْبِهِ مِنْهُ) فِي زِيَارَتِهِ (حَيًّا) أَيْ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَسَيَأْتِي نَدْبُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ لِلرِّجَالِ. (وَالتَّعْزِيَةُ سُنَّةٌ قَبْلَ دَفْنِهِ وَبَعْدَهُ) أَيْ هُمَا سَوَاءٌ فِي أَصْلِ السُّنِّيَّةِ، وَتَأْخِيرُهَا أَحْسَنُ لِاشْتِغَالِ أَهْلِ الْمَيِّتِ بِتَجْهِيزِهِ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إلَّا أَنْ يَرَى مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ جَزَعًا شَدِيدًا فَيُخْتَارُ تَقْدِيمُهَا لِيُصَبِّرَهُمْ. (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) تَقْرِيبًا فَلَا تَعْزِيَةَ بَعْدَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَزِّي أَوْ الْمُعَزَّى غَائِبًا، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَقْتُ التَّعْزِيَةِ مِنْ حِينَ الْمَوْتِ إلَى الدَّفْنِ وَبَعْدَ الدَّفْنِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَتُكْرَهُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ أَيْ لِتَجْدِيدِ الْحُزْنِ بِهَا لِلْمُصَابِ بَعْدَ سُكُونِ قَلْبِهِ بِالثَّلَاثَةِ غَالِبًا، وَمَعْنَاهَا الْأَمْرُ بِالصَّبْرِ وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ بِوَعْدِ الْأَجْرِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ الْوِزْرِ بِالْجَزَعِ، وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بِالْمَغْفِرَةِ وَلِلْمُصَابِ بِجَبْرِ الْمُصِيبَةِ، رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ:«أَرْسَلَتْ إحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدْعُوهُ وَتُخْبِرُهُ أَنَّ ابْنًا لَهَا فِي الْمَوْتِ، فَقَالَ الرَّسُولُ: ارْجِعْ إلَيْهَا فَأَخْبِرْهَا أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ» (وَيُعْزَى الْمُسْلِمُ بِالْمُسْلِمِ) أَيْ يُقَالُ فِي تَعْزِيَتِهِ بِهِ: (أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك) أَيْ جَعَلَهُ عَظِيمًا (وَأَحْسَنَ عَزَاءَك) بِالْمَدِّ أَيْ جَعَلَهُ حَسَنًا (وَغَفَرَ لِمَيِّتِك وَ) الْمُسْلِمُ (بِالْكَافِرِ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَصَبَّرَك) وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَأَخْلَفَ عَلَيْك (وَالْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِك وَأَحْسَنَ عَزَاءَك) وَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُعَزِّيَ الذِّمِّيَّ بِقَرِيبِهِ الذِّمِّيِّ فَيَقُولُ: أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك وَلَا نَقَصَ عَدَدُك، وَهَذَا الثَّانِي لِتَكْثُرَ الْجِزْيَةُ لِلْمُسْلِمِينَ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِبَقَاءِ الْكَافِرِ وَدَوَامِ كُفْرِهِ، فَالْمُخْتَارُ تَرْكُهُ (وَيَجُوزُ الْبُكَاءُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَيِّتِ (قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ) وَهُوَ قَبْلَهُ أَوْلَى، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَبَعْدَهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَقِيلَ مَكْرُوهٌ، رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ:«دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِبْرَاهِيمُ وَلَدُهُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَجَعَلَتْ عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ أَيْ يَسِيلُ دَمْعُهُمَا»، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ«عَنْ أَنَسٍ قَالَ: شَهِدْنَا دَفْنَ بِنْتٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْت عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ»، وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ«أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ زَارَ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ»، وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ حَدِيثُ«فَإِذَا وَجَبَتْ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ. قَالُوا وَمَا الْوُجُوبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: الْمَوْتُ» اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْمُرَادُ أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ (وَيَحْرُمُ النَّدْبُ بِتَعْدِيدِ شَمَائِلِهِ) نَحْوَ وا كهفاه وَاجَبَلَاهُ (وَالنَّوْحُ) وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ (وَالْجَزَعُ بِضَرْبِ الصَّدْرِ وَنَحْوِهِ) كَشَقِّ الثَّوْبِ وَنَشْرِ الشَّعْرِ وَضَرْبِ الْخَدِّ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ»رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ بِلَفْظِ-أَوْ بَدَلَ الْوَاوِ-، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«النَّائِحَةُ إذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالسِّرْبَالُ الْقَمِيصُ كَالدِّرْعِ، وَالْقَطِرَانُ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَسُكُونِهَا دُهْنُ شَجَرٍ يُطْلَى بِهِ الْإِبِلُ الْجُرْبُ وَيُسْرَجُ بِهِ، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي اشْتِعَالِ النَّارِ فِي النَّائِحَةِ. (قُلْت: هَذِهِ مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ) مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَابِ (يُبَادَرُ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ وَ) تَنْفِيذِ (وَصِيَّتِهِ) كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ تَعْجِيلًا لِلْخَيْرِ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَحَسَّنَهُ حَدِيثَ:«نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» قَالَ الْمُصَنِّفُ: الْمُرَادُ بِالنَّفْسِ الرُّوحُ، وَمُعَلَّقَةٌ مَحْبُوسَةٌ عَنْ مَقَامِهَا الْكَرِيمِ. (وَيُكْرَهُ طَلَبُ الْمَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ) كَذَا فِي الرَّوْضَةِ، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: لِضُرٍّ فِي بَدَنِهِ أَوْ ضِيقٍ فِي دُنْيَاهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ أَصَابَهُ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. (إلَّا لِفِتْنَةِ دِينٍ) أَيْ لَا يُكْرَهُ لِخَوْفِ فِتْنَةٍ فِي دِينِهِ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَقَالَ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مَفْهُومٌ مِنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ الرَّوْضَةِ لَا بَأْسَ. (وَيُسَنُّ التَّدَاوِي) كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ«أَنَّ الْأَعْرَابَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَدَاوَى ؟ فَقَالَ: تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ الْهَرَمِ» قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: فَإِنْ تَرَكَ التَّدَاوِيَ تَوَكُّلًا فَهُوَ فَضِيلَةٌ. (وَيُكْرَهُ إكْرَاهُهُ) أَيْ الْمَرِيضِ (عَلَيْهِ) أَيْ التَّدَاوِي، وَفِي الرَّوْضَةِ عَلَى تَنَاوُلِ الدَّوَاءِ أَيْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّشْوِيشِ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: حَدِيثُ«لَا تُكْرِهُوا مَرَضَاكُمْ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَإِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ» ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَادَّعَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ حَسَنٌ (وَيَجُوزُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِمْ) وَفِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَأَصْدِقَائِهِ بَدَلَ وَنَحْوِهِمْ. (تَقْبِيلُ وَجْهِهِ) رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ بَعْدَ مَوْتِهِ»، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَبَّلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ (وَلَا بَأْسَ بِالْإِعْلَامِ بِمَوْتِهِ لِلصَّلَاةِ) عَلَيْهِ (وَغَيْرِهَا) ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَصَحَّحَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ. (بِخِلَافِ نَعْيِ الْجَاهِلِيَّةِ) فَإِنَّهُ يُكْرَهُ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَهُوَ النِّدَاءُ بِمَوْتِ الشَّخْصِ وَذِكْرُ مَآثِرِهِ وَمَفَاخِرِهِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي إنْسَانٍ كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ أَوْ يَكْنُسُهُ فَمَاتَ فَدُفِنَ لَيْلًا أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ وَفِي رِوَايَةٍ مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُعْلِمُونِي» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:«سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ النَّعْيِ»، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَمُرَادُهُ نَعْيُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا مُجَرَّدُ الْإِعْلَامِ بِالْمَوْتِ، وَهُوَ بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَبِكَسْرِهَا مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ مَصْدَرُ نَعَاهُ يَنْعِيهِ. (وَلَا يَنْظُرُ الْغَاسِلُ مِنْ بَدَنِهِ إلَّا قَدْرَ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ الْعَوْرَةِ) بِأَنْ يُرِيدَ مَعْرِفَةَ الْمَغْسُولِ مِنْ غَيْرِهِ أَيْ يُكْرَهُ نَظَرُ الزَّائِدِ عَلَى ذَلِكَ، وَيَحْرُمُ نَظَرُ الْعَوْرَةِ أَيْ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ الْأَوَّلَ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَقِيلَ مَكْرُوهٌ، وَأَنَّ الْمَسَّ فِيهِ كَالنَّظَرِ، وَأَنَّ نَظَرَ الْمُعِينِ فِيهِ مَكْرُوهٌ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: لَا يَنْظُرُ الْمُعِينُ إلَّا لِضَرُورَةٍ. (وَمَنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ) كَأَنْ احْتَرَقَ وَلَوْ غُسِّلَ لَتَهَرَّى (يُمِّمَ) وَلَا يُغَسَّلُ مُحَافَظَةً عَلَى جُثَّتِهِ لِتُدْفَنَ بِحَالِهَا، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ: وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ قُرُوحٌ وَخِيفَ مِنْ غُسْلِهِ تَسَارُعُ الْبِلَى إلَيْهِ بَعْدَ الدَّفْنِ غُسِّلَ وَلَا مُبَالَاةَ بِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ، فَالْكُلُّ صَائِرُونَ إلَى الْبِلَى. (وَيُغَسِّلُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ الْمَيِّتَ بِلَا كَرَاهَةٍ) ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَكَرِهَهُمَا الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ، دَلِيلُنَا أَنَّهُمَا طَاهِرَانِ كَغَيْرِهِمَا. (وَإِذَا مَاتَا غُسِّلَا غُسْلًا وَاحِدًا فَقَطْ) ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَالْغُسْلُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمَا سَقَطَ بِالْمَوْتِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَقَالَ الْحَسَنُ وَحْدَهُ: يُغَسَّلَانِ غُسْلَيْنِ (وَلْيَكُنْ الْغَاسِلُ أَمِينًا) أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَمِينًا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كَالرَّوْضَةِ، وَقَالَ فِيهِ: فَإِنْ غَسَّلَهُ فَاسِقٌ وَقَعَ الْمَوْقِعَ. (فَإِنْ رَأَى خَيْرًا ذَكَرَهُ) اسْتِحْبَابًا كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. (أَوْ غَيْرَهُ حَرُمَ ذِكْرُهُ إلَّا لَمَصْلَحَةٍ) كَذَا فِي الرَّوْضَةِ، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ الْجُمْهُورَ أَطْلَقُوا وَأَنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ قَالَ: لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ مُبْتَدِعًا مُظْهِرًا لِبِدْعَتِهِ وَرَأَى الْغَاسِلُ فِيهِ مَا يَكْرَهُ، فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ أَنْ يَتَحَدَّثَ بِهِ فِي النَّاسِ زَجْرًا عَنْ بِدْعَتِهِ، وَإِنَّ مَا قَالَهُ مُتَعَيِّنٌ لَا عُدُولَ عَنْهُ، وَأَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ انْتَهَى. وَهَذَا الْبَحْثُ هُوَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: إلَّا لِمَصْلَحَةٍ. (وَلَوْ تَنَازَعَ أَخَوَانِ أَوْ زَوْجَتَانِ) فِي الْغُسْلِ وَلَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ، وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الرَّوْضَةِ. (وَالْكَافِرُ أَحَقُّ بِقَرِيبِهِ الْكَافِرِ) مِنْ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ فِي غُسْلِهِ، كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَمِثْلُهُ التَّكْفِينُ وَالدَّفْنُ. (وَيُكْرَهُ الْكَفَنُ الْمُعَصْفَرُ) وَالْمُزَعْفَرُ لِمَنْ لَا يُكْرَهُ لَهُ فِي الْحَيَاةِ وَهُوَ الْمَرْأَةُ لِمَا فِيهِ مِنْ الزِّينَةِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِالْمَرْأَةِ، وَالْمُزَعْفَرُ أَيْضًا (وَ) تُكْرَهُ (الْمُغَالَاةُ فِيهِ) أَيْ فِي الْكَفَنِ بِارْتِفَاعِهِ فِي الثَّمَنِ، وَيُسْتَحَبُّ تَحْسِينُهُ فِي الْبَيَاضِ وَالنَّظَافَةِ وَسُبُوغُهُ وَكَثَافَتُهُ ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«لَا تَغَالَوْا فِي الْكَفَنِ فَإِنَّهُ يُسْلَبُهُ سَلْبًا سَرِيعًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَالْمَغْسُولُ) بِأَنْ لُبِسَ (أَوْلَى مِنْ الْجَدِيدِ) كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِأَنَّهُ لِلصَّدِيدِ، وَالْحَيُّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ كَمَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَالصَّبِيُّ كَبَالِغٍ فِي تَكْفِينِهِ بِأَثْوَابٍ) فَيُسْتَحَبُّ تَكْفِينُهُ بِثَلَاثَةٍ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (وَالْحَنُوطُ) أَيْ ذَرُّهُ كَمَا تَقَدَّمَ. (مُسْتَحَبٌّ، وَقِيلَ وَاجِبٌ) كَالْكَفَنِ، وَعَبَّرَ الرَّافِعِيُّ بِالتَّحْنِيطِ (وَلَا يَحْمِلُ الْجِنَازَةَ إلَّا الرِّجَالُ وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى) لِضَعْفِ النِّسَاءِ عَنْ حَمْلِهَا (وَيَحْرُمُ حَمْلُهَا عَلَى هَيْئَةٍ مُزْرِيَةٍ) كَحَمْلِهَا فِي غِرَارَةٍ (وَهَيْئَةٍ يُخَافُ مِنْهَا سُقُوطُهَا) ذَكَرَ الْمَسْأَلَتَيْنِ الرَّافِعِيُّ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَيُحْمَلُ الْمَيِّتُ عَلَى سَرِيرٍ أَوْ لَوْحٍ أَوْ مَحْمَلٍ وَأَيُّ شَيْءٍ حُمِلَ عَلَيْهِ أَجْزَأَ، فَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ وَانْفِجَارُهُ قَبْلَ أَنْ يُهَيَّأَ لَهُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأَيْدِي وَالرِّقَابِ حَتَّى يُوصَلَ إلَى الْقَبْرِ. (وَيُنْدَبُ لِلْمَرْأَةِ مَا يَسْتُرُهَا كَتَابُوتٍ) وَفِي الرَّوْضَةِ كَالْخَيْمَةِ وَالْقُبَّةِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: عَلَى سَرِيرٍ، وَفِيهِ عِزٌّ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْخَيْمَةِ لِصَاحِبِ الْبَيَانِ، وَبِالْقُبَّةِ لِصَاحِبِ الْحَاوِي، وَبِالْمُكِبَّةِ وَأَنَّهَا تُغَطَّى بِثَوْبٍ لِلشَّيْخِ نَصْرِ الْمَقْدِسِيَّ، وَأَنَّهُمْ اسْتَدَلُّوا بِقِصَّةِ جِنَازَةِ زَيْنَبَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ رَوَى أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَتْ أَنْ يُتَّخَذَ لَهَا ذَلِكَ فَفَعَلُوهُ، وَهِيَ قَبْلَ زَيْنَبَ بِسِنِينَ كَثِيرَةٍ، فَقَوْلُهُ: كَتَابُوتٍ، أَيْ لَهَا فَإِنَّهُ مُشْتَمِلٌ فِي الْعَادَةِ عَلَى مَا هُوَ كَالْقُبَّةِ وَعَلَى تَغْطِيَتِهِ بِسِتَارَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (وَلَا يُكْرَهُ الرُّكُوبُ فِي الرُّجُوعِ مِنْهَا) هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَا بَأْسَ بِهِ، رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ«أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى ابْنِ الدَّحْدَاحِ، وَحِينَ انْصَرَفَ أُتِيَ بِفَرَسٍ مُعْرَوْرًى فَرَكِبَهُ»، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ بِفَرَسٍ عُرْيٍ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: هُوَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ الثَّانِيَةِ مَنُونَةً انْتَهَى. وَفِي الصَّحَاحِ اعْرَوْرَيْتُ الْفَرَسَ رَكِبْتُهُ عُرْيَانًا، وَفَرَسٌ عُرْيٌ لَيْسَ عَلَيْهِ سَرْجٌ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ«أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَ جِنَازَةَ ابْنِ الدَّحْدَاحِ مَاشِيًا، وَرَجَعَ عَلَى فَرَسٍ»، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَالدَّحْدَاحُ بِمُهْمَلَاتٍ وَفَتْحِ الدَّالِ. (وَلَا بَأْسَ بِاتِّبَاعِ الْمُسْلِمِ) بِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ (جِنَازَةَ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ) هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْأَصْحَابِ: لَا يُكْرَهُ، رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:«أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت: إنَّ عَمَّك الضَّالَّ قَدْ مَاتَ، فَقَالَ اذْهَبْ فَوَارِهِ» قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: حَسَنٌ. (وَيُكْرَهُ اللَّغْطُ فِي الْجِنَازَةِ) وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فِي الْمَشْيِ مَعَهَا وَالْحَدِيثُ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا، بَلْ الْمُسْتَحَبُّ الْفِكْرُ فِي الْمَوْتِ وَمَا بَعْدَهُ وَفَنَاءِ الدُّنْيَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ الْجَنَائِزِ، وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ خَفْضَ الصَّوْتِ عِنْدَهَا. (وَإِتْبَاعُهَا) بِسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ (بِنَارٍ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي مِجْمَرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: يُكْرَهُ الْبَخُورُ فِي الْمِجْمَرَةِ بَيْنَ يَدَيْهَا إلَى الْقَبْرِ وَعِنْدَهُ حَالَ الدَّفْنِ لِأَنَّهُ يَتَفَاءَلُ بِذَلِكَ فَأْلَ السَّوْءِ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مَرْفُوعًا:«لَا تُتْبَعُ الْجِنَازَةُ بِصَوْتٍ وَلَا نَارٍ» لَكِنْ فِيهِ مَجْهُولَانِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ وَصَّى: لَا تُتْبِعُونِي بِصَارِخَةٍ وَلَا مِجْمَرَةٍ، وَلَا تَجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَ الْأَرْضِ شَيْئًا. وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: إذَا أَنَا مُتُّ فَلَا تَصْحَبُنِي نَارٌ وَلَا نَائِحَةٌ (وَلَوْ اخْتَلَطَ مُسْلِمُونَ بِكَفَّارٍ) كَأَنْ انْهَدَمَ عَلَيْهِمْ سَقْفٌ وَلَمْ يَتَمَيَّزُوا (وَجَبَ) لِلْخُرُوجِ عَنْ الْوَاجِبِ (غُسْلُ الْجَمِيعِ وَالصَّلَاةُ) عَلَيْهِمْ (فَإِنْ شَاءَ، صَلَّى عَلَى الْجَمِيعِ) دَفْعَةً (بِقَصْدِ الْمُسْلِمِينَ) مِنْهُمْ (وَهُوَ الْأَفْضَلُ وَالْمَنْصُوصُ أَوْ عَلَى وَاحِدٍ فَوَاحِدٍ نَاوِيًا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ إنْ كَانَ مُسْلِمًا) وَيُغْتَفَرُ التَّرَدُّدُ فِي النِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ وَقَوْلُهُ وَهُوَ الْأَفْضَلُ وَالْمَنْصُوصُ، زَادَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى الرَّافِعِيِّ وَقَالَ: وَاخْتِلَاطُ الشُّهَدَاءِ بِغَيْرِهِمْ كَاخْتِلَاطِ الْكُفَّارِ (وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ تَقَدُّمُ غُسْلِهِ وَتُكْرَهُ قَبْلَ تَكْفِينِهِ فَلَوْ مَاتَ بِهَدْمٍ وَنَحْوِهِ) كَأَنْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ (وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ وَغُسْلُهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ) لِفَقْدِ الشَّرْطِ، وَقَوْلُهُ: وَتُكْرَهُ قَبْلَ تَكْفِينِهِ زَادَهُ وَجَوَازُهَا فِي الرَّوْضَةِ عَلَى الرَّافِعِيِّ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: تَصِحُّ وَتُكْرَهُ، صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ. (وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ عَلَى الْجِنَازَةِ الْحَاضِرَةِ وَلَا الْقَبْرِ) فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِمَا (عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِمَا) وَالرَّافِعِيُّ قَالَ: حَرُمَتْ الصَّلَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعِبَارَةُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ، وَلَوْ تَقَدَّمَ عَلَى الْجِنَازَةِ الْحَاضِرَةِ أَوْ الْقَبْرِ لَمْ تَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَالرَّافِعِيُّ هُنَا اقْتَصَرَ عَلَى التَّقَدُّمِ عَلَى الْجِنَازَةِ، وَقَالَ: قَالَ فِي النِّهَايَةِ: خَرَّجَهُ الْأَصْحَابُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَقَدُّمِ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ، وَنَزَّلُوا الْجِنَازَةَ مَنْزِلَةَ الْإِمَامِ قَالَ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: تَجْوِيزُ التَّقَدُّمِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَوْلَى فَإِنَّهَا لَيْسَتْ إمَامًا مَتْبُوعًا يَتَعَيَّنُ تَقَدُّمُهُ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إشَارَةٌ إلَى تَرْتِيبِ الْخِلَافِ وَإِلَّا فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ الْمَنْعُ انْتَهَى. فَأَقَامَ النَّوَوِيُّ بَحْثَ الْإِمَامِ طَرِيقَةً قَاطِعَةً بِالْجَوَازِ، وَطَرَدَهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مُقْتَضَى اصْطِلَاحِهِ فِي تَعْبِيرِهِ بِالْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي تَقَدُّمِهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا بُطْلَانُ صَلَاتِهِ، وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَجَمَاعَةٌ: إنْ جَوَّزْنَا تَقَدُّمَ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ جَازَ هَذَا وَإِلَّا فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَاحْتَرَزُوا بِالْحَاضِرَةِ عَنْ الْغَائِبَةِ عَنْ الْبَلَدِ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَتْ خَلْفَ ظَهْرِ الْمُصَلِّي لِلْحَاجَةِ إلَى الصَّلَاةِ عَلَيْهَا لِنَفْعِ الْمُصَلِّي وَالْمُصَلَّى عَلَيْهِ. (وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَيِّتِ (فِي الْمَسْجِدِ) بِلَا كَرَاهَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَقَالَ فِيهِ: بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ، وَفِيهَا: بَلْ هِيَ فِيهِ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى سُهَيْلِ ابْنِ بَيْضَاءَ وَأَخِيهِ فِي الْمَسْجِدِ» وَاسْمُهُ سَهْلٌ، وَالْبَيْضَاءُ وَصْفُ أُمِّهِمَا وَاسْمُهَا دَعْدُ، وَفِي تَكْمِلَةِ الصَّغَانِيِّ: إذَا قَالَتْ الْعَرَبُ فُلَانٌ أَبْيَضُ وَفُلَانَةٌ بَيْضَاءُ فَالْمَعْنَى نَقَاءُ الْعِرْضِ مِنْ الدَّنَسِ وَالْعُيُوبِ. (وَيُسَنُّ جَعْلُ صُفُوفِهِمْ) أَيْ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ (ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِيهِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: إنَّهُ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَفْظُهُ«مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ إلَّا غُفِرَ لَهُ» وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مَعْنَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ«إلَّا أَوْجَبَ» أَيْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ الْجَنَّةَ. (وَإِذَا صَلَّى عَلَيْهِ فَحَضَرَ مَنْ لَمْ يُصَلِّ صَلَّى)«لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بَعْدَ الدَّفْنِ» كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الدَّفْنَ إنَّمَا كَانَ بَعْدَ صَلَاةٍ، وَتَقَعُ الصَّلَاةُ الثَّانِيَةُ فَرْضًا كَالْأُولَى وَسَوَاءٌ كَانَتْ قَبْلَ الدَّفْنِ أَمْ بَعْدَهُ جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فَيَنْوِي بِهَا الْفَرْضَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْمُتَوَلِّي (وَمَنْ صَلَّى لَا يُعِيدُ) أَيْ لَا تُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِعَادَةُ. (عَلَى الصَّحِيحِ) وَالثَّانِي تُسْتَحَبُّ فِي جَمَاعَةٍ لِمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا، كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَفِيهِ تَوْجِيهُ النَّفْيِ بِأَنَّ الْمُعَادَةَ تَكُونُ تَطَوُّعًا، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ لَا تَطَوُّعَ فِيهَا، وَنَقَضَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِصَلَاةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ عَلَى الْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا تَقَعُ نَافِلَةً فِي حَقِّهِنَّ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ، وَقَالَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ لَوْ صَلَّى ثَانِيًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُسْتَحَبَّةٍ وَتَقَعُ نَفْلًا. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَرْضًا، وَحَكَى فِيهِ وَجْهًا مُطْلَقًا بِاسْتِحْبَابِ الْإِعَادَةِ وَوَجْهًا بِكَرَاهَتِهَا (وَلَا تُؤَخَّرُ لِزِيَادَةِ مُصَلِّينَ) ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ (وَقَاتِلُ نَفْسِهِ كَغَيْرِهِ فِي الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ) عَلَيْهِ، قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ (وَلَوْ نَوَى الْإِمَامُ صَلَاةَ غَائِبٍ وَالْمَأْمُومُ صَلَاةَ حَاضِرٍ أَوْ عَكَسَ) كُلٌّ مِنْهُمَا (جَازَ) ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَضَمَّ إلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَوْ نَوَى الْإِمَامُ غَائِبًا وَالْمَأْمُومُ غَائِبًا آخَرَ (وَالدَّفْنُ بِالْمَقْبَرَةِ أَفْضَلُ) لِيَنَالَ الْمَيِّتُ دُعَاءَ الْمَارِّينَ وَالزَّائِرِينَ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ (وَيُكْرَهُ الْمَبِيتُ بِهَا) ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْوَحْشَةِ (وَيُنْدَبُ سَتْرُ الْقَبْرِ بِثَوْبٍ) عِنْدَ الدَّفْنِ (وَإِنْ كَانَ) الْمَيِّتُ (رَجُلًا) أَيْ فَهُوَ فِي الْمَرْأَةِ آكَدُ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ رُبَّمَا يَنْكَشِفُ عِنْدَ الْإِضْجَاعِ وَحَلِّ الشِّدَادِ فَيَظْهَرُ مَا يُسْتَحَبُّ إخْفَاؤُهُ. (وَأَنْ يَقُولَ) مَنْ يُدْخِلُهُ الْقَبْرَ (بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا وَضَعَ الْمَيِّتَ فِي الْقَبْرِ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ» وَفِي رِوَايَةٍ«وَعَلَى سُنَّةِ» وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«إذَا وَضَعْتُمْ مَوْتَاكُمْ فِي الْقَبْرِ فَقُولُوا بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَالْمَسْأَلَتَانِ ذَكَرَهُمَا الرَّافِعِيُّ مَعَ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ بَعْدَهُمَا (وَلَا يُفْرَشُ تَحْتَهُ شَيْءٌ) مِنْ الْفِرَاشِ (وَلَا) يُوضَعُ تَحْتَ رَأْسِهِ (مِخَدَّةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ يُكْرَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ. وَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ: لَا بَأْسَ بِهِ. (وَيُكْرَهُ دَفْنُهُ فِي تَابُوتٍ إلَّا فِي أَرْضٍ نَدِيَةٍ) بِتَخْفِيفِ التَّحْتَانِيَّةِ (أَوْ رِخْوَةٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا فَلَا يُكْرَهُ، وَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِهِ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَتَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ (وَيَجُوزُ) مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ (الدَّفْنُ لَيْلًا وَوَقْتَ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَتَحَرَّهُ) ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ وَقَالَ: حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ«ثَلَاثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِنَّ، وَأَنَّ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا، وَذَكَرَ وَقْتَ الِاسْتِوَاءِ وَالطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ» مَحْمُولٌ كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي عَلَى تَحَرِّي ذَلِكَ وَقَصْدِهِ لِحِكَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَجَمَاعَةٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ كَرَاهَةِ الدَّفْنِ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا. وَنَقْبُرُ بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِهَا نَدْفِنُ (وَغَيْرُهُمَا) أَيْ غَيْرُ اللَّيْلِ وَهُوَ النَّهَارُ وَغَيْرُ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ. (أَفْضَلُ) لِلدَّفْنِ مِنْهُمَا أَيْ فَاضِلٌ عَلَيْهِمَا، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْفَنَ نَهَارًا، وَسَكَتَ فِيهَا وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْمَذْكُورُ فِيهِ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَنْ الْفَضِيلَةِ فِي الْآخَرِ لِلْعِلْمِ بِهَا مِنْ النَّهْيِ، وَذَكَرَ فِيهِ لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَدِيثَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:«رَأَى نَاسٌ نَارًا فِي الْمَقْبَرَةِ فَأَتَوْهَا فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَبْرِ، وَإِذَا هُوَ يَقُولُ: نَاوِلُونِي صَاحِبَكُمْ وَإِذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالذِّكْرِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. (وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُ الْقَبْرِ وَالْبِنَاءُ) عَلَيْهِ (وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ وَمَا بَعْدَهَا ذَكَرَهَا الرَّافِعِيُّ إلَّا مَا يُنَبِّهُ عَلَيْهِ، قَالَ جَابِرٌ:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ، زَادَ التِّرْمِذِيُّ«وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُوطَأَ». وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالتَّجْصِيصُ التَّبْيِيضُ بِالْجِصِّ وَهُوَ الْجِيرُ، وَأَلْحَقَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ التَّطْيِينَ، وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَسَوَاءٌ فِي الْبِنَاءِ بِنَاءُ قُبَّةٍ أَمْ بَيْتٍ أَمْ غَيْرِهِمَا، وَفِي الْمَكْتُوبِ اسْمُ صَاحِبِهِ أَمْ غَيْرُ ذَلِكَ فِي لَوْحٍ عِنْدَ رَأْسِهِ أَمْ فِي غَيْرِهِ، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (وَلَوْ بُنِيَ) عَلَيْهِ (فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ هُدِمَ) الْبِنَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ، وَصَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِحُرْمَةِ الْبِنَاءِ فِيهَا. وَيُنْدَبُ أَنْ«يُرَشَّ الْقَبْرُ بِمَاءٍ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ بِقَبْرِ سَعْدٍ»، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ«وَأَمَرَ بِهِ فِي قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ»، رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَسَعْدٌ الْمَذْكُورُ هُوَ ابْنُ مُعَاذٍ كَمَا فِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُرَشَّ عَلَى الْقَبْرِ مَاءُ الْوَرْدِ، وَنَقَلَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كَرَاهَةَ هَذَا وَأَنْ يُطْلَى الْقَبْرُ بِالْخَلُوقِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَآخَرِينَ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ. (وَيُوضَعُ عَلَيْهِ حَصًى) رَوَى الشَّافِعِيُّ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَشَّ عَلَى قَبْرِ ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ مَاءً وَوَضَعَ عَلَيْهِ حَصْبَاءَ وَهِيَ بِالْمَدِّ وَبِالْمُوَحَّدَةِ الْحَصَى الصِّغَارُ»، وَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ. (وَعِنْدَ رَأْسِهِ حَجَرٌ أَوْ خَشَبَةٌ) رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ حَجَرًا أَيْ صَخْرَةً عِنْدَ رَأْسِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَقَالَ: أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي، وَأَدْفِنُ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي» وَأَتَعَلَّمُ بِمَعْنَى عَلَّمَ مِنْ الْعَلَامَةِ. (وَجَمْعُ الْأَقَارِبِ فِي مَوْضِعٍ) ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُهَذَّبِ وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ كَالرَّوْضَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَقَالَ فِيهِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَبُ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ الْأَسَنُّ فَالْأَسَنُّ (وَ) تُنْدَبُ (زِيَارَةُ الْقُبُورِ لِلرِّجَالِ) رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا» قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي دُخُولِ النِّسَاءِ فِيهِ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُنَّ لَا يَدْخُلْنَ فِي ضَمِيرِ الرِّجَالِ. (وَتُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ) لِقِلَّةِ صَبْرِهِنَّ وَكَثْرَةِ جَزَعِهِنَّ (وَقِيلَ تَحْرُمُ) قَالَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُهَذَّبِ، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَضَمَّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إلَى شَيْخِ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَالدَّائِرُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ ضَمُّ زَايِ زَوَّارَاتِ جَمْعُ زُوَّارٍ جَمْعُ زَائِرَةٍ سَمَاعًا وَزَائِرٍ قِيَاسًا. (وَقِيلَ: تُبَاحُ) إذَا أُمِنَتْ الْفِتْنَةُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَالْحَدِيثُ فِيمَا إذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا بُكَاءٌ وَنَوْحٌ وَتَعْدِيدٌ كَعَادَتِهِنَّ، وَفَهِمَ الْمُصَنِّفُ الْإِبَاحَةَ مِنْ حِكَايَةِ الرَّافِعِيِّ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ، وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَذَكَرَ فِيهِ حَمْلَ الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذُكِرَ وَأَنَّ الِاحْتِيَاطَ لِلْعَجُوزِ تَرْكُ الزِّيَارَةِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ (وَلْيُسَلِّمْ الزَّائِرُ) فَيَقُولُ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ خَرَجَ إلَى الْمَقْبَرَةِ:«السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، زَادَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ:«اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ» وَإِسْنَادُهَا ضَعِيفٌ، وَقَوْلُهُ: دَارَ، أَيْ أَهْلَ دَارٍ، وَنَصْبُهُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَوْ النِّدَاءِ، وَقَوْلُهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ لِلتَّبَرُّكِ. (وَيَقْرَأُ وَيَدْعُو) عَقِبَ قِرَاءَتِهِ وَالدُّعَاءُ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَهُوَ عَقِبَ الْقِرَاءَةِ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ (وَيَحْرُمُ نَقْلُ الْمَيِّتِ) قَبْلَ دَفْنِهِ مِنْ بَلَدِ مَوْتِهِ (إلَى بَلَدٍ آخَرَ) لِيُدْفَنَ فِيهِ (وَقِيلَ: يُكْرَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ) فَيُخْتَارُ أَنْ يُنْقَلَ إلَيْهَا لِفَضْلِ الدَّفْنِ فِيهَا (نَصَّ عَلَيْهِ) الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَفْظُهُ لَا أُحِبُّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ إلَى آخِرِهِ، وَقَالَ بِالْكَرَاهَةِ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَبِالْحُرْمَةِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ فِي نَقْلِهِ تَأْخِيرَ دَفْنِهِ الْمَأْمُورِ بِتَعْجِيلِهِ، وَتَعْرِيضَهُ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ وَتَغَيُّرِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ صَحَّ«عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا حَمَلْنَا الْقَتْلَى يَوْمَ أُحُدٍ لِنَدْفِنَهُمْ فَجَاءَنَا مُنَادِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَدْفِنُوا الْقَتْلَى فِي مَضَاجِعِهِمْ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، ذُكِرَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي مَسْأَلَةِ النَّقْلِ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (وَنَبْشُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ لِلنَّقْلِ وَغَيْرِهِ حَرَامٌ إلَّا لِضَرُورَةٍ بِأَنْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ) وَهُوَ وَاجِبُ الْغُسْلِ فَيَجِبُ نَبْشُهُ تَدَارُكًا لِغُسْلِهِ الْوَاجِبِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَلِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ قَالَ: فَإِنْ تَغَيَّرَ وَخُشِيَ فَسَادُهُ لَمْ يَجُزْ نَبْشُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ (أَوْ فِي أَرْضٍ أَوْ ثَوْبٍ مَغْصُوبَيْنِ) فَيَجِبُ نَبْشُهُ وَإِنْ تَغَيَّرَ لِيُرَدَّ كُلٌّ عَلَى صَاحِبِهِ إذَا لَمْ يَرْضَ بِبَقَائِهِ، وَفِي الثَّوْبِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّبْشُ لِرَدِّهِ لِأَنَّهُ كَالتَّالِفِ فَيُعْطَى صَاحِبُهُ قِيمَتَهُ (أَوْ وَقَعَ فِيهِ) أَيْ فِي الْقَبْرِ (مَالٌ) خَاتَمٌ أَوْ غَيْرُهُ فَيَجِبُ نَبْشُهُ لِأَخْذِهِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: هَكَذَا أَطْلَقَهُ أَصْحَابُنَا وَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا إذَا طَلَبَهُ صَاحِبُهُ، وَلَمْ يُوَافِقُوهُ عَلَى التَّقْيِيدِ. (أَوْ دُفِنَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ) فَيَجِبُ نَبْشُهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَتَوْجِيهُهُ لِلْقِبْلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. (لَا لِلتَّكْفِينِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ السَّتْرُ وَقَدْ سَتَرَهُ التُّرَابُ، وَالِاكْتِفَاءُ بِهِ أَوْلَى مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ بِالنَّبْشِ، وَالثَّانِي يَقِيسُهُ عَلَى الْغُسْلِ. (وَيُسَنُّ أَنْ يَقِفَ جَمَاعَةٌ بَعْدَ دَفْنِهِ عِنْدَ قَبْرِهِ سَاعَةً يَسْأَلُونَ لَهُ التَّثْبِيتَ) رَوَى أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ». وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْكُثَ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ سَاعَةً يَدْعُو لِلْمَيِّتِ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَالرَّافِعِيُّ اقْتَصَرَ عَلَى أَنْ يَقِفَ عَلَى الْقَبْرِ وَيَسْتَغْفِرَ لِلْمَيِّتِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. (وَ) يُسَنُّ (لِجِيرَانِ أَهْلِهِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ يُشْبِعُهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ) لِشُغْلِهِمْ بِالْحُزْنِ عَنْهُ (وَيُلَحُّ عَلَيْهِمْ فِي الْأَكْلِ) نَدْبًا لِئَلَّا يَضْعُفُوا بِتَرْكِهِ. (وَيَحْرُمُ تَهْيِئَتُهُ لِلنَّائِحَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَقَوْلُهُ لِجِيرَانِ أَهْلِهِ أَحْسَنُ كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ لِجِيرَانِهِ لِيَدْخُلَ فِيهِ مَا لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ فِي بَلَدٍ وَأَهْلُهُ فِي غَيْرِهِ وَالْأَبَاعِدُ مِنْ قَرَابَتِهِ كَالْجِيرَانِ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَاءَ خَبَرُ قَتْلِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ«اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَمُؤْتَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْكَرْكِ وَقُتِلَ جَعْفَرٌ فِي جُمَادَى سَنَةَ ثَمَانٍ. (وَ) يُسَنُّ (لِجِيرَانِ أَهْلِهِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ يُشْبِعُهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ) لِشُغْلِهِمْ بِالْحُزْنِ عَنْهُ (وَيُلَحُّ عَلَيْهِمْ فِي الْأَكْلِ) نَدْبًا لِئَلَّا يَضْعُفُوا بِتَرْكِهِ. (وَيَحْرُمُ تَهْيِئَتُهُ لِلنَّائِحَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَقَوْلُهُ لِجِيرَانِ أَهْلِهِ أَحْسَنُ كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ لِجِيرَانِهِ لِيَدْخُلَ فِيهِ مَا لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ فِي بَلَدٍ وَأَهْلُهُ فِي غَيْرِهِ وَالْأَبَاعِدُ مِنْ قَرَابَتِهِ كَالْجِيرَانِ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَاءَ خَبَرُ قَتْلِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ«اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَمُؤْتَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْكَرْكِ وَقُتِلَ جَعْفَرٌ فِي جُمَادَى سَنَةَ ثَمَانٍ.
|